كيف نستقبل شهر رمضان؟ - (6)- بقلم: د. حمدي أبو سعيد
logo

كيف نستقبل شهر رمضان؟ - (6)- بقلم: د. حمدي أبو سعيد

كيف نستقبل شهر رمضان؟ - (6)- بقلم: د. حمدي أبو سعيد

كيف نستقبل شهر رمضان؟ - (6)- بقلم: د. حمدي أبو سعيد

 

ومن الوقفات المُهمة بين يدي استقبال رمضان ...

8 – ثامناً: التدريب على تنمية القِراءة النّافعة وتحويلها من مُجرد رُوتين إلى إدمان وعادة لدى أبنائنا وجميع أفراد الأُسرة؛ وليكُن البدء ببعض القصص، وننتهز فُرصة هذا الشهر الكريم في العمل على تنمية وتكوين مهارات إدمان القراءة المثمرة؛ وذلك بأن نُحسن اختيار الكُتب المناسبة التي تصلح لكُلِّ فئة عُمرية، واختيار الموضوعات المهمة التي نحتاجها في تنمية وتعميق الجوانب الإيمانية والتربوية، واختيار الوقت المناسب، والمكان المناسب للقراءة، ونُوع القراءة سواء كانت قراءة جماعية أو فرديَّة؛ وأهم وأوْلَى ما ينبغي أن تتجه إليه الهمم، وتُبذل من أجله المُهَج، وتُصرفُ من أجله أغلى الأوقات وأنفسها؛ هُو قراءة القُرآن الكريم؛ كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد ..

 

وفي حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضيَ اللهُ عنْهُ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ, وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ)).[ صحيح البخاري؛ برقم: (5427)، واللفظُ له، وصحيح مُسام؛ برقم: (797)] ..

 

(الأُتْرُجَّةِ):  ثمر شبه التفاحة، وهي من أحسن الثِّمار الشَّجرية، وأنفسها قيمة عند العرب؛ فهي طيِّبة الطعم والرائحة، وتُشبه النوع الممتاز من التُّفاح في طعمه الطيِّب، ورائحته الجميلة. و (الريحانة): هي كُلُّ نبات طيب الريح من أنواع المشموم. و (الحنظلة):  نبا ت ثمرته في حجم البرتقالة ولونها، فيها لُبٌّ شديد المرارة، ويمتد على الأرض كالبطيخ، وثمره يُشبه ثمر البطيخ، لكنه أصغر منه جداً، ويُضرب المثل بمرارته ..

 

وحبَّذا لو كانت هذه القراءة قراءة تدبُّرٍ وفهم وإصغاء لأحكامه ووقوفٌ عند حدوده؛ وهُو ما أراده الله جلَّ وعلا من أمَّة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فقال سُبحانه وتعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[سورة ص: (29)]؛ قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: "والله ما تَدَبُّرُه بحفظ حُروفه وإضاعة حُدوده، حتى إنَّ أحدهم ليقول: قرأت القرآن -كلَّهُ- ما يُرى له القُرآن في خُلُقٍ ولا عَمَلٍ"[رواه ابن أبي حاتم] ..

 

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إذا أردت الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبَك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعَك، واحضر حُضور من يُخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه" [الفوائد: (ص3)] ..

 

فينبغي أن نعمل على تنمية مهارات قراءة القُرآن، وحُسنُ الاستماع إليه أوَّلاً، والإصغاء التَّام إلى آياته وهي تُتلى من قارئ مُتقن كشيوخنا الأجلاء؛ وخاصَّة الخمسة الكبار: [محمود خليل الحُصري، ومحمد صديق المنشاوي، ومصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصّمد، ومحمود علي البنَّا]، رحمهم الله جميعاً، مع المتابعة والنَّظر في المصحف الشريف أثناء الاستماع؛ وهذا سيُساعد على تحسين القراءة وتجويد التلاوة من خلال الاستماع إلى قارئ مُجيد مُتمكن خاشع في تلاوته أمثال هؤلاء القُرَّاء الكبار رحمهم الله جميعاً ورضي عنهم، ومع التكرار ومُتابعة مُحاكاة القارئ المُتقن، سنتعلَّم كيفية قراءة القُرآن الكريم قراءة صحيحة سليمة بعون الله وتوفيقه، هذا في البداية، ثُمَّ إن تيسَّر للشباب التواصل مع شيخ مُقرئ، وللفتيات التواصل مع مُحفِّظة للقُرآن الكريم من المُجازات، عن طريق الهاتف، أو الواتسآب أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة اليوم بكثرة ولله الحمد؛ كي يقوموا بتصحيح التلاوة علي هؤلاء المشايخ فحسنٌ؛ وإن لم يتيسَّر فالاستماع إلى الشُّيوخ الكبار أو إلى أحدهم يكفي في تعلُّم التلاوة الصحيحة للقُرآن الكريم؛ للفوز بما أعده الله لعباده الذين يُتقنون قراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة فصيحة سليمة؛ كما قال سيدي رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ((الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ))[اخرجه البخاري؛ برقم: (4937)، و مُسلم؛ برقم: (798)] ..

 

والقُرآنُ الكريم له تأثيره الكبير على نُفوس سامعيه من الصغار والكبار على حدٍّ سواء؛ بل له تأثيره حتىَّ على غير النَّاطقين باللغة العربية، والقُرآنُ الكريم له أثره الواضح في تحسين الصِّحَّة الجسدية والنَّفسية، وله أثره الواضح في تنمية المهارات والقُدُرات  العقليَّة والفكرية لدى الإنسان، وله أثره الواضح في تقوية الذاكرة وحُسن استيعاب الدُّروس العلمية، والقرآن العظيم له أثره الواضح في التَّفوق الدراسي وقُوَّة التحصيل العلمي لدى الأبناء الصِّغار ولدى الكبار من البالغين وغيرهم على حدٍّ سواء، فينبغي في هذا الجو الإيماني الرَّمضاني الحرص على ختم القُرآن مرة واحدة على الأقلّ مع حُسن التلاوة والتَّدَبُّر، وفي ذلك فليتنافس المُتنافسون؛ والاستمرار في تلاوته ومُحاولة فهمه وتدبُّره بعد رمضان، ويُمكن في ذلك الاستعانة بأحد الكُتب المُختصرة في تفسير القُرآن الكريم على النَّحو التالي: [1 - كتاب: (زُبدة التفسير)؛ للدكتور مُحمد سُليمان الأشقر رحمه الله، أو 2 - كتاب: (تفسير القُرآن للناشئين)؛ للدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله والأستاذ علي عبد المحسن جبر حفظه الله (وهو كتاب رائع يصلح للناشئين والكبار على حدٍّ سواء)، أو 3 - كتاب: (المُعين على تدبُّر القُرآن الكريم)؛ للأستاذ مجد أحمد مكي حفظه الله، أو 4 - كتاب: (تهذيب تفسير الجلالين) للشيخ د. محمد لطفي الصَّباغ رحمه الله، أو 5 - كتاب: (تيسير الكريم الرَّحمن في تفسير كلام المنَّان)؛ للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السَّعدي رحمه الله، أو 6 - كتاب: (أيسر التفاسير)؛ للشيخ أبو بكر جابر الجزائري رحمه الله، أو 7 - كتاب: (تفسير القُرآن الكريم)، للمشايخ الثلاقة: الشيخ محمود محمد حمزة، والشيخ حسن عُلوان، والشيخ محمد أحمد برانق (رحمهم الله جميعاً)].

 

مع القراءة في قصص القُرآن؛ وأقترح أحد الكُتب التالية: [1 – (كتاب: قصص القُرآن؛ أ. د. محمد بكر إسماعيل، رحمه الله)]، أو [2 – كتاب: قصص الأنبياء؛ للشيح حسن أيوب، رحمه الله]، أو [3 – كتاب: صحيح قَصص القُرآن؛ للأستاذ/ حامد أحمد الطّاهر، حفظه الله)، أو [4 – كتاب: من قصص القُرآن؛ للشيخ د. سعيد عبد العظيم، حفظه الله] ..

 

مع قراءة كتاب آخر - أيضاً- في السيرة النَّبوية على صاحبها سيدي الحبيب مُحمد أفضل الصلاة والسَّلام؛ وأقترح قراءة أحد الكُتب التالية: [1 - نُور اليقين في سيرة سيد المرسلين؛ للعلامة الشيخ محمد الخضري بك، رحمه الله]، أو [2 - كتاب: سيرة خاتم النَّبيين صلى الله عليه وسلم، للعلاَّمة الشيخ أبي الحسن علي الحسني النَّدوي، رحمه الله]، أو [3 – كتاب: فقه السيرة، للعلاَّمة الشيخ مُحمد الغزالي، رحمه الله]، أو [4 – كتاب: تهذيب سيرة ابن هشام؛ للعلاَّمة الشيخ عبد السلام هارون، رحمه الله]، مع كتاب مُهم صغير الحجم؛ نشره أستاذنا الدكتور محمد عمارة، رحمه الله، مع عدد مجلة الأزهر الغرَّاء، الصادر في (شهر ربيع الأول 1434هـ)؛ بعنوان: [(نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي؛ أ. د. عز الدين فرَّاج، تقديم: أ. د. محمد عمارة (رحم الله الجميع)] ..

 

9 – تاسعاً: لنجعل من رمضان فُرصة للتسامح والتصالح؛ ونبذ الإحن والبغضاء وتطهير القلوب بالقُرآن والذِّكر والاستغفار والصَّلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله وصحبه الكرام الأخيار ..

 

10 – عاشراً: لنجعل من رمضان فُرصة لتنمية التلاحم والترابط الأُسري، وصلة الأرحام، وتنمية العلاقات الاجتماعية بين المسلمين ..

 

11 – لنستفيد في هذا الشهر الفضيل من مرونة الدَّوام في العمل في العديد من بلاد المسلمين لنجعله شهر حيويَّة إيمانيَّة ونشاط حقيقيَّ بالعكوف على طاعة الله، والحرص على الاستفادة من أوقاتنا، وتنمية روح التعاون والمسؤولية لدى أبنائنا، وسد النَّقص، وجبر الخلل الذي سبَّب فجوات ونُتوءات خطيرة في عملية التربية لأولادنا؛ إنها فُرصة ذهبية لإصلاح الكثير من الخلل، وترميم العلاقات وتحسين وتقوية التواصل الاجتماعي المباشر مع جميع أفراد الأسرة والأرحام، وليس عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي سرقت أوقاتنا، وباعدت بيننا، وأشغلت الكثير منَّا بتوافه الأمور، وجرَّت البعض إلى ما يُغضب الله جلَّ وعلا؛ فهذا الاعتكاف الإجباري مع بركة الشهر الفضيل ورحماته تمنح الإنسان صفاءً في الذّهن وحالة من الهدوء النفسي، تجعله يُسارع إلى مُحاسبة نفسه وتقليب صفحات حياته، ومُحاولة إصلاح ما أمكنه الإصلاح، فإن لم يستطع  فترميم ما أمكنه الترميم؛ وينبغي أن يكون لهذه الحالة من الصفاء النَّفسي والمحاسبة ما بعدها من آثار طيبة على علاقتنا مع الله جلَّ وعلا، وعلاقتنا مع أُسَرنا وبُيوتنا، وعلاقاتنا الاجتماعية مع أقاربنا وجيراننا وإخواننا المسلمين بصفة عامة ..

 

وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يُوفقنا لكُلِّ خير، وأن يًصلح أحوالنا، ويُصلح بفضله وكرمه ذات بيننا، وأن يُؤلف بين قُلوبنا، وأن يُوفقنا لخير العمل وعمل الخير .. واللهم بارك لنا في رمضان .. وأعنَّا على صيامه وقيامه، واجعلنا من الأتقياء الأنقياء الأخفياء الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه .. اللهم تقبَّل منَّا إنَّك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنَّك أنت التَّوابُ الرَّحيم؛ هذا وبالله التوفيق .. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا الحبيب مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين ..