تفاصيل المقال

تفسير آيات الصيام من تفسير (روح المعاني) (9) لإمام أهل العراق، العلاَّمة شهاب الدين، السيد محمود الآلوسي (رحمه الله) ..

تفسير آيات الصيام من تفسير (روح المعاني) (9) لإمام أهل العراق، العلاَّمة شهاب الدين، السيد محمود الآلوسي (رحمه الله) ..

تفسير آيات الصيام من تفسير (روح المعاني) (9) لإمام أهل العراق، العلاَّمة شهاب الدين، السيد محمود الآلوسي (رحمه الله) ..

 

قوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) أي: مُعتكفون فيها، والاعتكاف في اللغة الاحتباس واللزوم مطلقا، ومنه قوله:

 فباتت بنات الليل حولي عكفا *** عكوف بواكي حولهن صريع

 

وفي الشرع لبث مخصوص، والنهي عطف على أول الأوامر، والمباشرة فيه كالمباشرة فيه، وقد تقدم أن المراد بها الجماع، إلاَّ أنَّه لزم من إباحة الجماع إباحة اللمس والقبلة وغيرهما بخلاف النهي، فإنَّه لا يستلزم النَّهي عن الجماع، النَّهي عنهما، فهما إمَّا مُباحان اتفاقاً بأن يكونا بغير شهوة، وإمَّا حرامان بأن يكونا بها، "يبطل الاعتكاف ما لم ينزل"، وصحح معظم أصحاب الشافعي البطلان، وقيل: المراد من (المباشرة) ملاقاة البشرتين، ففي الآية منع عن مطلق المباشرة، وليس بشيء، فقد كانت عَائشة رضي الله تعالى عنها: ((تُرجل رأس النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو معتكف)) ..

 

 

وفي تقييد الاعتكاف بالمساجد دليل على أنه لا يصح إلاَّ في المسجد؛ إذ لو جاز شرعاً في غيره لجاز في البيت، وهو باطل بالإجماع، ويختص بالمسجد الجامع عند الزهري، وروي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه: أنه مُختص بمسجد له إمام ومُؤذن راتب، وقال حُذيفة رضي الله تعالى عنه: يختص بالمساجد الثلاث، وعن عليٍّ كرَّم الله تعالى وجهه: لا يجوز إلاَّ في المسجد الحرام، وعن ابن المسيَّب: لا  يجوز إلاَّ فيه أو في المسجد النبوي، ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه: أنه يصح في جميع المساجد مُطلقاً، بناء على عُموم اللفظ، وعدم اعتبار أن المطلق ينصرف إلى الكامل ..

 

 

واستدل بالآية على صحة اعتكاف المرأة في غير المسجد بناء على أنَّها لا تدخل في خطاب الرجال، وعلى اشتراط الصوم في الاعتكاف؛ لأنَّه قصر الخطاب على الصائمين، فلو لم يكن الصوم من شرطه، لم يكن لذلك معنى، وهو المروي عن نافع مولى ابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وعلى أنَّه لا يكفي فيه أقل من يوم،  كما أنَّ الصوم لا يكون كذلك، والشافعي رضي الله تعالى عنه لا يشترط يوماً ولا صوماً، لما أخرج الدارقطني، والحاكم، وصححه عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما، أنَّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((ليس على المعتكف صيام، إلاَّ أن يجعله على نفسه)) ، ومثله عن ابن مسعود، وعن علي  كرم الله تعالى وجهه، روايتان أخرجهما ابن أبي شيبة من طريقين إحداهما الاشتراط، وثانيتهما عدمه ..

 

 

وعلى أن المعتكف إذا خرج من المسجد فباشر خارجاً جاز؛ لأنه حصر المنع من المباشرة حال كونه فيه، وأجيب بأن المعنى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ) حال ما يُقال لكم: إنكم  (عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ..

 

 ومن خرج من المسجد لقضاء الحاجة فاعتكافه باق، ويُؤيده ما روي عن قتادة رضي الله عنه: ((كان الرجل يعتكف، فيخرج إلى امرأته فيباشرها، ثم يرجع))، فنَهُوا عن ذلك ..

 

 

واسْتُدِلَّ بها أيضاً على أن الوطء يُفسد الاعتكاف؛ لأنَّ النَّهي للتحريم، وهو في العبادات يُوجب الفساد، وفيه أنَّ المنهي عنه هنا المباشرة حال الاعتكاف، وهو ليس من العبادات، لا يُقال: إذا وقع أمر منهي عنه في العبادة، كالجماع في الاعتكاف، كانت تلك العبادة منهية باعتبار اشتمالها على المنهي ومقارنتها إياه؛ إذ يقال: فرق بين كون الشيء منهياً عنه باعتبار ما يُقارنه، وبين كون المقارن منهياً في ذلك الشيء، والكلام في الأول، وما نحن فيه من قبيل الثاني ..

_____________

* - للموضوع -صلة وتكملة- إن شاء الله تعالى .. 

 

 

 



مقالات ذات صلة