تفاصيل المقال
 
                تفسير آيات الصيام من تفسير (روح المعاني) –(3)- لإمام أهل العراق، العلاَّمة شهاب الدين، السيد محمود الآلوسي (رحمه الله) ..
تفسير آيات الصيام من تفسير (روح المعاني) –(3)- لإمام أهل العراق، العلاَّمة شهاب الدين، السيد محمود الآلوسي (رحمه الله) ..
قال الله تعالى:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة البقرة: (185)] ..
(شَهْرُ رَمَضَانَ) مبتدأ خبره الموصول بعده، ويكون ذكر الجملة مقدمة لفرضية صومه بذكر فضله، أو (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ) والفاء لتضمنه معنى الشرط، لكونه موصوفاً بالموصول، أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره ذلكم الوقت الذي كتب عليكم الصيام فيه، أو المكتوب شهر رمضان، أو بدل من الصيام بدل كل بتقدير مضاف؛ أي كتب عليكم الصيام صيام شهر رمضان، وما تخلل بينهما من الفصل متعلق بـ (كُتِبَ) لفظاً أو معنى، فليس بأجنبي مُطلقاً ..
وإن اعتبرته بدل اشتمال استغنيت عن التقدير، إلا أن كون الحكم السابق - وهو فرضية الصوم - مقصودا بالذات، وعدم كون ذكر المبدل منه مشوقاً إلى ذكر البدل يبعد ذلك، وقرئ (شَهْرُ) بالنصب على أنه مفعول لـ (صوموا) محذوفاً، وقيل: إنه مفعول (وَأَن تَصُومُوا) وفيه لزوم الفصل بين أجزاء المصدرية بالخبر، وجَوَّز أن يكون مفعول (تَعْلَمُونَ) بتقدير مضاف؛ أي: شرف شهر رمضان ونحوه، وقيل: لا حاجة إلى التقدير، والمراد (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) نفس الشهر ولا تشكون فيه، وفيه إيذان بأن الصوم لا ينبغي مع الشك، وليس بشيء كما لا يخفى ..
والشهر المدة المعينة التي ابتداؤها رؤية الهلال، ويجمع في القلة على أشهر، وفي الكثرة على شهور، وأصله من شهر الشيء أظهره، وهو لكونه ميقاتاً للعبادات والمعاملات، صار مشهوراً بين الناس ..
و رمضانُ مصدر رمض - بكسر العين - إذا احترق، وفي شمس العلوم من المصادر التي يشترك فيها الأفعال فعلان - بفتح الفاء والعين - وأكثر ما يجيء بمعنى المجيء والذهاب والاضطراب - كالخفقان والعسلان واللمعان – ...
والخليل يقول: إنه من الرمض - مسكن الميم - وهو مطر يأتي قبل الخريف يطهر وجه الأرض عن الغبار، وقد جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علما للشهر المعلوم، ولولا ذلك لم يحسن إضافة (شهر) إليه ..
وإنما سمي الشهر به، (أي: رمضان)؛ لأن الذُّنوب ترمض فيه، قاله ابن عمر، وروى ذلك أنس وعائشة مرفوعاً إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل: لوقوعه أيام رمض الحر؛ حيث نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة، وكان اسمه قبل ناتقاً .. ولعلَّ ما روي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم مبين لما ينبغي أن يكون وجه التسمية عند المسلمين، وإلاَّ فهذا الاسم قبل فرضية الصيام بكثير على ما هو الظاهر (الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) أي: ابتدئ فيه إنزاله، وكان ذلك ليلة القدر، قاله ابن إسحاق ..
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن جبير والحسن، أنه نزل فيه جملة إلى السماء الدنيا، ثم نزل مُنجَّمًا إلى الأرض في ثلاث وعشرين سنة، وقيل: أنزل في شأنه القرآن، وهو قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) ..
وأخرج الإمام أحمد والطبراني من حديث واثلة بن الأسقع، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: ((أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ)) [مسند الإمام أحمد؛ برقم: (16536)] ..
ولما كان بين الصوم ونزول الكتب الإلهية مُناسبة عظيمة، كان هذا الشهر المختص بنزولها مُختصاً بالصوم الذي هو نوع عظيم من آيات العبودية، وسبب قوي في إزالة العلائق البشرية المانعة عن إشراق الأنوار الصمدية ..
(هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) حالان لازمان من القرآن والعامل فيهما (أُنْزِلَ)؛ أي: أنزل وهو هداية للناس بإعجازه المختص به كما يشعر بذلك التنكير، وآيات واضحات من جملة الكتب الإلهية الهادية إلى الحق، والفارقة بين الحق والباطل، باشتمالها على المعارف الإلهية والأحكام العملية، كما يشعر بذلك جعله بينات منها، فهو هاد بواسطة أمرين مختص وغير مختص، فالهدى ليس مُكرراً، وقيل: مُكرر تنويهاً وتعظيماً لأمره وتأكيداً لمعنى الهداية فيه، كما تقول عالم نحرير ..
_____________
* - للموضوع –صلة- بمشيئة الله تعالى ..
* - للإمام شهاب الدين الألوسي (رحمه الله) .
مقالات ذات صلة
- 
                      مُبارك عليكم العيد .. وتقبَّل اللهُ منَّا ومنكُم صالحَ الأعمال ..مُبارك عليكم العيد .. تقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال .. وجعله الله عيد خير وبركة وسلام وأمن وأمان لأمَّة… السبت 10 ذو الحجة 1443 هـ 09-07-2022 م
- 
                      عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (4) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. في (سُوريا) .. وما أدراكم ما (سُوريا) .. قلب بلاد الشام الجميلة… الثلاثاء 9 شوال 1443 هـ 10-05-2022 م
- 
                      عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (3) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. ونحن نرى ونُشاهد ما يحدثُ لإخواننا المسلمين في (تُركستان الشرقية) بـ(الصِّين) الشُّيوعية… الاثنين 8 شوال 1443 هـ 09-05-2022 م





