تفاصيل المقال
 
                تفسير آيات الصيام من تفسير (روح المعاني) - (5) - لإمام أهل العراق، العلاَّمة شهاب الدين، السيد محمود الآلوسي (رحمه الله) .
قال تعالى:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [سورة البقرة: 186] ..
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي) في تلوين الخطاب، مع توجيهه لسيد ذوي الألباب عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى من التشريف ورفع المحل (عَنِّي) أي: عن قُربي وبعدي؛ إذ ليس السؤال عن ذاته تعالى (فَإِنِّي قَرِيبٌ) أي: فقل لهم ذلك بأن تخبر عن القرب بأي طريق كان ..
و في مسند أحمد رحمه الله: قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله الآية: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) دليل للقُرب وتقرير له، فالقطع لكمال الاتصال، وفيه وعد الداعي بالإجابة في الجملة على ما تُشير إليه كلمة (وَإِذَا) لا كُلِّيًّا، فلا حاجة إلى التقييد بالمشيئة المؤذن به قوله تعالى في آية أخرى: (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ)، ولا إلى أنَّ القول بأن إجابة الدعوة غير قضاء الحاجة؛ لأنها قوله سبحانه وتعالى: لبيك يا عبدي، وهو موعود موجود لكل مُؤمن يدعو، ولا إلى تخصيص الدَّعوة بما ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، أو الداعي بالمطيع المخبت، نعم كونه كذلك أَرْجَى للإجابة لا سيما في الأزمنة المخصوصة، والأمكنة المعلومة، والكيفية المشهورة، ومع هذا قد تتخلف الإجابة مُطلقاً، وقد تتخلف إلى بدل، ففي الصحيح عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ((ما من مُسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله تبارك وتعالى إحدى ثلاث؛ إمَّا أن يعجل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخر له، وإمَّا أن يكف عنه من السوء مثله)) ..
وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) أي: فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني، أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، كما أنِّي أُجيبهم إذا دعوني لحوائجهم، واستجاب وأجاب واحد، ومعناه قطع مسألته بتبليغه مُراده من الجوب بمعنى القطع، وهذا ما عليه أكثر المفسرين، ولا يُغني عنه (وَلْيُؤْمِنُوا بِي)؛ لأنه أمر بالثبات والمداومة على الإيمان (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) أي: يهتدون لمصالح دينهم ودنياهم، وأصل الباب إصابة الخير، وقُرئ بفتح الشين وكسرها، ولما أمرهم سبحانه وتعالى بصوم الشهر ومُراعاة العدة، وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشُّكر ..
عَقَّبَّه بهذه الآية الدَّالَّة على أنه تعالى خبير بأفعالهم، سميع لأقوالهم، مُجازيهم على أعمالهم، تأكيداً له وحثاً عليه، أو أنَّه لما نسخ الأحكام في الصوم ذكر هذه الآية الدالة على كمال علمه بحال العباد، وكمال قدرته عليهم، ونهاية لطفه بهم في أثناء نسخ الأحكام تمكيناً لهم في الإيمان، وتقريراً لهم على الاستجابة؛ لأنَّ مقام النَّسخ من مظان الوسوسة والتزلزل، فالجملة على التقديرين اعتراضية بين كلامين مُتَّصلين معنى؛ أحدهما ما تقدم ..
قوله سبحانه وتعالى:
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [سورة البقرة: (187)] ..
والثاني قوله سبحانه وتعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ) أخرج أحمد وجماعة عن كعب بن مالك، قال: ((كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام، حَرُمَ عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأيقظها وأرادها، فقالت: إني قد نمت، فقال: ما نمت؟ ثم وقع بها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره فنزلت ..)) ..
وفي رواية ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ((بينما هو نائم؛ إذ سَوَّلت له نفسه فأتى أهله، ثم أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أعتذر إلى الله تعالى وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فإنها زيَّنت لي، فواقعت أهلي، هل تجد لي من رخصة؟ قال: "لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر"، فلما بلغ بيته أرسل إليه، فأنبأه بعذره في آية من القرآن، وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة، فقال: (أُحِلَّ لَكُمْ) إلخ ..
و (لَيْلَةَ الصِّيَامِ) الليلة التي يُصبح منها صائماً، فالإضافة لأدنى مُلابسة، والمراد بها الجنس، وناصبها (الرَّفَثُ) المذكور أو المحذوف الدال هو عليه، بناء على أن المصدر لا يعمل متقدما، وجوز أن يكون ظرفاً لأحل لأن إحلال (الرَّفَثُ) في (لَيْلَةَ الصِّيَامِ) وإحلال(الرَّفَثُ) الذي فيها مُتلازمان ..
و (الرَّفَثُ) من رَفَثَ في كلامه، وأرفث، وترفث: أفحش وأفصح بما يُكنى عنه، والمراد به هنا الجماع؛ لأنه لا يكاد يخلو من الإفصاح، وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه أنشد، وهو مُحرم:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا *** إِنْ صَدَقَ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا
فقيل له: أرفثت؟ فقال: إنما الرَّفث ما كان عند النساء، فالرفث فيه يحتمل أن يكون قولاً، وأن يكون فعلاً، والأصل فيه أن يتعدى (بالباء) وعدي بــ (إِلَى) لتضمنه معنى الإفضاء، ولم يجعل من أول الأمر كناية عنه؛ لأن المقصود هو: الجماع، فقصرت المسافة، وإيثاره ههنا على ما كنى به عنه في جميع القرآن من التغشية والمباشرة واللمس والدخول ونحوها، استقباحاً لما وجد منهم قبل الإباحة، ولذا سماه اختياناً فيما بعد ..
_______________________
* - للموضوع –صلة- بمشية الله تعالى ..
* - للإمام شهاب الدين، السيد محمود، الألوسي (رحمه الله) ..
مقالات ذات صلة
- 
                      مُبارك عليكم العيد .. وتقبَّل اللهُ منَّا ومنكُم صالحَ الأعمال ..مُبارك عليكم العيد .. تقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال .. وجعله الله عيد خير وبركة وسلام وأمن وأمان لأمَّة… السبت 10 ذو الحجة 1443 هـ 09-07-2022 م
- 
                      عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (4) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. في (سُوريا) .. وما أدراكم ما (سُوريا) .. قلب بلاد الشام الجميلة… الثلاثاء 9 شوال 1443 هـ 10-05-2022 م
- 
                      عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (3) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. ونحن نرى ونُشاهد ما يحدثُ لإخواننا المسلمين في (تُركستان الشرقية) بـ(الصِّين) الشُّيوعية… الاثنين 8 شوال 1443 هـ 09-05-2022 م





