تفاصيل المقال
 
                تفسير آيات الصيام من تفسير (روح المعاني) –(2)- للإمام شهاب الدين، السيد محمود الآلوسي (رحمه الله) ..
وانتصاب (أَيَّامًا) ليس بالصيام كما قيل لوقوع الفصل بينهما بأجنبي، بل بمضمر، دل هو عليه - أعني صوموا - إمَّا على الظرفية أو المفعولية اتساعاً، وقيل: منصوب بفعل يُستفاد من كاف التشبيه، وفيه بيان لوجه المماثلة، كأنه قيل: كُتب عليكم الصيام مُماثلاً لصيام الذين من قبلكم في كونه (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) أي: المماثلة واقعة بين الصيامين من هذا الوجه، وهو تعلق كل منهما بمدة غير مُتطاولة، فالكلام من قبيل زيد كعمرو فقها، وقيل: نصب على أنه مفعول ثان لـ (كُتِبَ) على الاتساع، وَرَدَّه في البحر بأن الاتساع مبني على جواز وقوعه ظرفاَ لـ (كُتٍبَ) وذا لا يصح؛ لأن الظرف محل الفعل، والكتابة ليست واقعة في الأيام، وإنما الواقع فيها متعلقها وهو الصيام، وأجيب بأنه يكفي للظرفية ظرفية المتعلق، كما في (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وبأن معنى (كُتٍبَ) فُرض، وفرضية الصيام واقعة في الأيام (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا) مرضاً يَعْسُر عليه الصوم معه، كما يُؤْذِنُ به قوله تعالى فيما بعد: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وعليه أكثر الفقهاء ..
وذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري إلى أن المرخص مُطلق المرض عملاً بإطلاق اللفظ، وحكي أنهم دخلوا على ابن سيرين في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع إصْبُعه، وهو قول للشافعية..
(أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ): أو راكب سفر مُستعل عليه مُتمكن منه، بأن اشتغل به قبل الفجر، ففيه إيماء إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يفطر، ولهذا المعنى أوثر على (مسافراً)، واستدل بإطلاق السفر على أن القصير وسفر المعصية مرخص للإفطار، وأكثر العلماء على تقييده بالمباح، وما يلزمه العُسر غالباً، وهو السفر إلى المسافة المقدَّرة في الشرع ..
(فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ): أي: فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر من أيام أُخر إن أفطر، وحُذف الشَّرط والمضافان للعلم بهما، أمّا الشرط فلأن المريض والمسافر داخلان في الخطاب العام، فدلَّ على وجوب الصوم عليهما، فلو لم يتقيد الحكم هنا به لزم أن يصير المرض والسفر اللذان هما من موجبات اليسر شرعاً وعقلاَ مُوجبين للعُسر، وأمَّا المضاف الأول، فلأن الكلام في الصوم ووجوبه، وأما الثاني فلأنه لما قيل: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي: أيام معدودة، موصوفة بأنها من أيام أُخر، عُلم أن المراد (معدودة) بعدد أيام المرض والسفر، واستغني عن الإضافة، وهذا الإفطار مشروع على سبيل الرخصة، فالمريض والمسافر إن شاءا صاما وإن شاءا أفطرا، كما عليه أكثر الفقهاء، إلا أن الإمام أبا حنيفة ومالكا، قالا : "الصوم أحب" ..
والشافعي وأحمد والأوزاعي قالوا : "الفطر أحب" ..
ومذهب الظاهرية وجوب الإفطار، وأنهما إذا صاما لا يصح صومهما؛ لأنه قبل الوقت الذي يقتضيه ظاهر الآية، ونسب ذلك إلى ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ..
وبه قال الإمامية، وأطالوا بالاستدلال على ذلك بما رووه عن أهل البيت ..
واستُدِلَّ بالآية على جواز القضاء مُتتابعاً ومُتفرقاً، وأنَّه ليس على الفور، خلافاً لداود، وعلى أن من أفطر رمضان كله قضى (أياماً معدودة)، فلو كان تاماً لم يُجزه شهر ناقص .. أو ناقصاً لم يلزمه شهر كامل خلافاً لمن خالف في الصورتين ..
واحْتَجَّ بها أيضا من قال: لا فدية مع القضاء، وكذا من قال: إن المسافر إذا أقام والمريض إذا شفي أثناء النهار، لم يلزمهما الإمساك بقيته؛ لأنَّ الله تعالى إنما أوجب عدة من أيام أُخر، وهما قد أفطرا، فَحُكم الإفطار باقٍ لهما، ومن حُكمه أن لا يجب أكثر من يوم، ولو أمرناه بالإمساك ثم القضاء، لأوجبنا بدل اليوم أكثر منه، ولا يخفى ما فيه ..
وقُرئ (فعدة) بالنَّصب على أنه مفعول لمحذوف؛ أي: (فليصم عدة)، ومن قدَّر الشرط هناك قدَّره هُنا، (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ): أي: وعلى المطيقين للصيام إن أفطروا (فِدْيَةٌ) أي: إعطاؤها ..
(طَعَامُ مِسْكِينٍ) هي قدر ما يأكله كل يوم، وهي نصف صاع من بُر أو صاع من غيره عند أهل العراق، ومُد عند أهل الحجاز لكل يوم، وكان ذلك في بدء الإسلام، لما أنه قد فرض عليهم الصوم، وما كانوا متعودين له، فاشتد عليهم، فرخص لهم في الإفطار والفدية ..
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والطبراني وآخرون عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه، قال: لما نزلت هذه الآية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) كان من شاء منَّا صام، ومن شاء أفطر، ويفتدى فعل ذلك حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْ)، وقرأ سعيد بن المسيب: (يُطِيّقُونَهُ) بضم الياء الأُولى، وتشديد الياء الثانية، و(قرأ) مجاهد وعكرمة: (يُطَّيّقُونَهُ) بتشديد الطاء والياء الثانية، وكلتا القراءتين على صيغة المبني للفاعل، على أن أصلهما: (يطيوقونه) ، و (يتطيوقونه) من فيعل وتفيعل، لا من فعل وتفعل، وإلا لكان بالواو دون الياء؛ لأنه من طوق، وهو واوي، وقد جعلت الواو ياء فيهما، ثم أدغمت الياء في الياء، ومعناهما (يتكلفونه)، و (قرأت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (يُطوقونه) بصيغة المبني للمفعول من التفعيل؛ أي: يكلفونه، أو يقلدونه من الطوق، بمعنى الطاقة أو القلادة، ورويت الثلاث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أيضا، وعنه (يتطوقونه) بمعنى: يتكلفونه، أو يتقلدونه ويطوقونه - بإدغام التاء في الطاء -، وذهب إلى عدم النسخ، كما رواه البخاري وأبو داوود ، وغيرهما، وقال: إن الآية نزلت في الشيخ الكبير الهَرِم والعجوز الكبيرة الهرمة ..
* - للموضوع –صلة- بمشيئة الله تعالى ..
* - للإمام شهاب الدين، السيد محمود الألوسي (رحمه الله) ..
مقالات ذات صلة
- 
                      مُبارك عليكم العيد .. وتقبَّل اللهُ منَّا ومنكُم صالحَ الأعمال ..مُبارك عليكم العيد .. تقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال .. وجعله الله عيد خير وبركة وسلام وأمن وأمان لأمَّة… السبت 10 ذو الحجة 1443 هـ 09-07-2022 م
- 
                      عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (4) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. في (سُوريا) .. وما أدراكم ما (سُوريا) .. قلب بلاد الشام الجميلة… الثلاثاء 9 شوال 1443 هـ 10-05-2022 م
- 
                      عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (3) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. ونحن نرى ونُشاهد ما يحدثُ لإخواننا المسلمين في (تُركستان الشرقية) بـ(الصِّين) الشُّيوعية… الاثنين 8 شوال 1443 هـ 09-05-2022 م





