تفاصيل المقال

كيف نستقبل شهر رمضان؟ - (4)- بقلم: د. حمدي أبو سعيد

كيف نستقبل شهر رمضان؟ - (4)- بقلم: د. حمدي أبو سعيد

 

ومن الوقفات المُهمة بين يدي استقبال رمضان ..

2 – ثانياً: حُسن الاستفادة من الوقت، فالوقت هُور رأس مال المؤمن؛ والله جلَّ وعلا قد وصف المؤمنين بقوله جلَّ وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3).[سورة المؤمنون] .. والمقصود باللغو هُنا: هو الخوض في الباطل، والوقوع في المعاصي، والخوض فيما لا ينفع ولا يُفيد من الأقوال والأفعال؛ كما قال الله تعالى في صفات عباد الرَّحمن: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).[سورة الفُرقان: (72)] ..

 

والإسلام قد اهتم بالوقت وأولاه عناية خاصة؛ حتَّى أنَّ الله جلَّ وعلا قد أقسم بالوقت في آيات كثيرة؛ حيث أقسم بوقت (العصر)؛ فقال: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2))؛ وأقسم بوقت الفجر؛ فقال جلَّ شأنه: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2))، وأقسم بوقت (الضُّحى)؛ فقال تعالى: (وَالضُّحَىٰ (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2))،  وأقسم بوقت (الليل)، و(النهار)؛ فقال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2))؛ وغيرها من الآيات التي تبُيِّن قيمة الوقت وأهميَّته في حياة المسلم، وضرورة اغتنامه في طاعة الله، وهناك أحاديث كثيرة تُوضِّحُ هذا المعنى: فقد روى الإمامان البخاري ومُسلم في صحيحيهما من حديث سيدنا عبد الله بن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ) [مُتفق عليه] .. وقد حذَّر الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم من تضييع الوقت فيما لا يُفيد، وأنَّ صاحبه سيُسأل عن ذلك أمام الله جلَّ وعلا؛ بل إنَّ الجميع سيُسأل ُ عن عمره كله سؤال، وسيُسألُ عن مرحلة الشَّباب، وهي مرحلة الصحة والقُوَّة سؤال؛ فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ)) [رواه الترمذي؛ برقم: ( 2417 )، وسنده صحيح] ..

 

وفي عناية الإسلام واهتمامه الكبير بالوقت؛ وحرصه على عمارة أوقاتنا بالنافع المفيد، وحرصه كذلك على أن نستغل أوقاتنا في عمارة الأرض بالعلم والبناء والزراعة والصناعة وبكُلِّ نافعِ مُفيد؛ وأنَّه لا ينبغي -أبداً- أن نُضيع شيئاُ ولو يسيراً من أوقاتنا في غير ما ينفعنا أو ينفع ديننا وبلادنا وأمَّتنا؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْهَا)).[صحيح الأدب المفرد؛ برقم: (371)] ..

 

فالعقُلاء يُحافظون على أوقاتهم، ولا يُضيعونها في اللهو واللَّغْو والعبث، وإنَّما يُنفقونها فيما يعود بالخير والنَّفع على دينهم وبلادهم وأمتهم، ويتوجَّهون إلى الله الكريم بالدُّعاء أن يُبارك في أوقاتهم وأعمارهم، وأن يجعلها كُلَّها في طاعة الله جلَّ وعلا وفي خدمة الإسلام؛ وهذا شرفٌ كبير .. فاللهم بارك لنا في اوقاتنا وأعمارنا، واستخدمنا لخدمة كتابك الكريم، وسنة نبيك الحبيب، ودينك العظيم بفضلك وكرمك يا أرحم الرَّاحمين ..

 

3 – ثالثاً: الاستعداد: بالمحافظة والحرص على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها في البيت أو في العمل أو في أي مكان يتواجد فيه الإنسان مع هذا الحظر بسبب أزمة (كورونا)؛ فيُمكن أن نُصلِّي جماعة في بيوتنا حتَّى نفوز بثواب صلاة الجماعة التي تزيد عن صلاة الفرد بسبع وعشرين أو تسعٍ وعشرين درجة ..

 

4 – رابعاً: الاستعدادُ: بالإقبال على القُرآن الكريم، والإكثار من تلاوته؛ تلاوة تدَبُّر وفهم واستحضار لمعانيه، والعيش في رحاب القُرآن عِلْماً وعملاً وأخلاقاً وسُلوكاً؛ فرمضانُ هُو شهر القُرآن، وهُو فرصة كبيرة لتوثيق صلتنا بالقُرآن العظيم، وإزالة حالة الجفاء التي بيننا وبين القُرآن؛ هذا الكتاب العظيم الذي يشفي الصُّدُور ويُطمئن النُّفوس: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58).[سورة يُونس] ..

 

5 – خامساً: الاستعداد لتحقيق المعنى الحقيقي للصَّوْم: فنحنُ نصوم كُلَّ عامٍ ولله الحمد؛ وأصبح الصِّيام لدى كثير منَّا مُجَرَّد عادة أو مُجرَّد امتناع عن الطعام والشراب من طُلوع الشَّمس إلى غروبها دون أن نسعى لتحقيق معنى الصَّوْم على النَّحو الذي أراده الله جلَّ وعلا، وهُو الذي قصده النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ بقوله: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً ...))؛ فهل نسعى لتحقيق هذا المعنى الدَّقيق للصَّوْم، حتَّى يكُون صومُنا ((إيماناً واحتساباً))، عسى أن يتقبَّله الله سبحان وتعالى، ويجعلنا من عباده المقبولين في هذا الشهر الكريم ..

 

6 – سادساً: الاستعداد: بالدُّعاء، أن يُوفقنا الله تبارك وتعالى ويُعنينا على حُسن الصيام والصلاة والقيام وصالح الأعمال، وأن نتقرَّب إلى الله في هذا الشهر الكريم بعبادة الدُّعاء، التي يُحبها الله و يرضاها؛ فقد أمرنا سُبحانه وتعالى بالدُّعاء ووَعَدَنا بالإجابة؛ فقال جلَّ شأنه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).[سورة غافر: 60]، ومعنى: (يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي): أي عن (دُعائي) ..

 

والدُّعاء سلاح المؤمن، فينبغي على أهل الإيمان الصائمين أن يعملوا على تفعيل هذا السلاح القوي؛ باللجوء إلى الله الكريم سُبحانه وتعالى بأكُف الضراعة في هذا الشهر الفضيل أن يرفع عنَّا وعن أمتنا البلاء والوباء والغلاء، وأن يُهيئ لهذه الأمة أمر رُشْد، يعزُّ فيه أهل طاعته، ويَهدي فيه أهل معصيته، ويَقصم فيه ظُهور الجبابرة الظلمة والمنافقين الخونة، وأن يعم فيه الرَّخاء والأمن والأمان والسَّلامة والسَّلام بلادنا، وسائر بلاد المسلمين؛ فإنَّ للصَّائم عند فِطْرِهِ دعوةٌ لا تُرد؛ فعن أبي هُريرة  رضي الله عنه، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ)).[أخرجه الأمام أحمد في المسند؛ برقم: (8030)، وصححه الشيخ شُعيب الأرناؤوط] ..

 

  • - للموضوع -صلة وتكملة بمشيئة الله تعالى-
  • - بقلم: د. حمدي أبو سعيد

 

 



مقالات ذات صلة