تفاصيل المقال

رمضان .. أهلاً ومرحباً - بقلم: د. حمدي أبو سعيد

رمضان .. أهلاً ومرحباً - بقلم: د. حمدي أبو سعيد

[1]

يدور الزمان دورته، وتُطالعنا إطلالة شهر رمضان الكريم – هذا الشهر المُبارك – الذي تتنزَّلُ فيه الرَّحمات، وتُفتَّح فيه أبواب السماوات، وتُقبل فيه الدَّعوات؛ فالمسلم في هذا الشهر الفضيل يتقلَّب بين نعم الله تعالى ومرضاته؛ فهو في نهاره صائم ليس عن الطعام والشراب فحسب، بل عن سائر المُفطِّرات، وفي ليله قائمٌ قَانِتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يَحْذَر الآخرة ويرجُو رحمة ربِّه، وقلبه دائماً شاكراً لأنعم الله التي لا تُعَدُّ وتُحصى عليه، ولسانه ذاكراً، لا يفْتر من ذكر الله الكريم، وتلاوة آيات الذكر الحكيم، والغوص في تدبُّر معاني القُرآن العظيم وأسراره .. في هذا الشهر المبارك تتنزَّلُ الملائكة بأمر ربِّها في ليلة من لياليه هي ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، وهو شهر سلام وأمن وأمان؛ سلامٌ للمسلم مع نفسه ومع المسلمين، وسلامٌ مع الآخرين من إخوانه في الإنسانية، وسلامٌ مع الكون والكائنات وسائر المخلوقات من حوله، وهذا من بركة الشهر الفضيل ومَزيَّته، وما أكثر بركات رمضان وفضائله ..

 

ولذا فإنَّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينتظرون هذا الشَّهر الكريم بشوق كبيرٍ على أحرٍّ من الجمر، فما إن تُعلن دور الإفتاء في العالم الإسلامي عن ظُهور هلاله، وتُبشّر المسلمين بصيامه، إلاَّ ونجد مظاهر الفرح والسرور قد عمَّت في كُلّ مكان، وصدحت المآذن بالتهليل والتكبير والقُرآن، وراح الشَّادي يَشْدُو، فيُطرب السامعين: ((رمضان جانا .. أهلاً رمضان)) .. والنَّاسُ يُهَنِّئُ بعضهم بعضاً بحلول هذا الشهر الكريم ..

 

والمسلمون في كُلِّ مكان يستقبلون هذا الشهر المُبارك استقبالاً خاصّاً لا يُساويه فيه شهر من الشُّهور، وهكذا يفعلون عبر العُصور والدُّهور، ولا يزالون، حيث تنتشر مظاهر الترحاب والبهجة والفرح بقدومه؛ فترى المسلمون وقد لبسوا أحسن ثيابهم، وتوجهوا إلى المساجد زُرافات ووحداناً، وترى الشوارع وقد تزيَّنت بأنواع من الزينة، والبيوت وقد تجملت بالفوانيس والأنوار والمصابيح .. الجميع يُعبِّر عن فرحه وسروره باستقبال هذا الشهر الفضيل، وهذه المظاهر تجدها في جميع بلاد المسلمين بخلاف منطقة الجزيرة والخليج العربيِّ التي لا ترى فيها أيَّ مظاهر للاحتفال بقُدوم هذا الشَّهر الفضيل ..

 

ويتسارع المُسلمون في شتَّى بقاع الدُّنيا لتبادل التَّهاني بدخول هذا الشهر المبارك، فهذا يقول: (مُبارك عليكم الشَّهر)، وثان يقول: (كُلُّ عام وأنتم بخير)، وثالث يقول: (رمضان كريم)، ورابع يقول: (رمضان مُبارك)، وخامس يقول: (الله يعيده علينا وعليكم بالخير واليُمن والبركات)، وأهل البادية في الجزيرة العربية والخليج، يقولون على سبيل التهنئة: (عساكُم من عُواده) .. وغيرها من أنواع التهاني التي تُؤكد مدى حُب المسلمين وفرحهم وسُرورهم واعتزازهم بحلول هذا الشهر الفضيل ..

 

[2]

أهلاً رمضان .. فقد طال انتظارنا وشوقنا الكبير إليك، خاصة والعالم كُلُّه يعيش أزمة (كورونا) التي عزلت الناس والشعوب، وتعطَّلت بسببها حياة كثير من الناس أو كادت، وأُغلقت المدارس والمساجد والمصانع والجامعات لأول مرة، وأُصيب الناس بحالة من الهلع والفزع في كُلِّ مكان بعد أن تواترت الأنباء بحجم أعداد الإصابات والوفيات من ضحايا (كُورونا)؛ فأسأل الله العلي القدير وقد حللت أهلاً يا شهر الخير والإحسان، أن يجعل نهاية هذه الأزمة خيراً كبيراً للبشرية جمعاء صحة وعافية وسلامة ونجاة من البلاء فيك يا رمضان، وأن تعود حياة النَّاس في كُلِّ مكان بأفضل وأحسن مما كانت عليه قبل أزمة (كورونا)؛ إنَّ ربي الكريم سبحانه وتعالى على كُلِّ شيءٍ قدير ..

 

 أهلاً رمضان .. هذا الشهر الكريم الذي تُضاء فيه الأنوار والمصابيح، ويلعب فيه الصبيان بالفوانيس، ويُقبلُ فيه المسلمون على صلاة التراويح، ويُفارقوا العادة، ويُقبلوا على شهر العبادة طائعين مُختارين فرحين مُستبشرين بنعمة من الله وفضل، وبما أعده الله لعباده الصائمين من مغفرة ورضوان، ومن العتق من النيران ..

 

أهلاً رمضان .. هذا الشهر المبارك الذي يُقبل النَّاس فيه على الله سُبحانه وتعالى بالصلاة، والذكر والعبادة، والصدقة، والجود والإحسان، وتفطير الصائمين، ومُواساة الفقراء والمساكين ..  أهلاً رمضان .. هذا الشهر الفضيل الذي يتنافس فيه المسلمون صغاراً وكباراً في الإقبال على القُرآن الكريم قراءة وفهماً وتدبُراً ومُدارسةً وحفظاً ..

 

أهلاً رمضان .. وقد حللت أهلاً ونزلت سهلاً؛ ونحن نستقبلك هذا العام في ظل ظروف استثنائية صعبة، وأوضاع غير عادية مع أزمة (كورونا)، وقد فقد الكثير من أرباب المهن الحُرِّة  والعمال المساكين  أعمالهم، وما تبع ذلك من وجود أُسر كثيرة تُعاني صُعوبة العيش، وهي تحتاج إلى من يمُدُّ لها يد العون والمساعدة، ولو بأقل القليل؛ وفي الحديث الشريف: ((اتق النَّار ولو بِشقِّ تمرة)) ..

فلو قام الموسرون في كُلِّ مهنة حُرّة بتقديم شيء من العون والمساعدة بالتعاون مع النقابات والجمعيات المهنية لأرباب الحاجة من الشباب وأصحاب الظروف الخاصة، مع الحفاظ على كرامتهم، لحدث من وراء ذلك خير كثير في هذا الشهر الفضيل من تفريج لكُرب الكثير من المحتاجين، ويكفي أن يعم التراحم بدل التناحر بين الناس، وكفى بهذا فضلاً وخيراً  ..

ولو قام أهل كلِّ حي، أو شارع، أو قرية بالتعاون مع بعضهم البعض؛ وتلمسوا بهدوء شديد بما يحفظ الكرامة أحوال الفقراء والمساكين، وقدَّموا إليهم شيئاً ولو يسيراً من المساعدات بانتظام؛ وتعاون الجميع على ذلك؛ لما بقي بيننا جائع أو مُحتاج، ولعمَّ الخير والبركة والأمن والأمان والمحبة والتراحم سائر مجتمعاتنا؛ وفي الحديث الشريف: ((ليس منَّا من بات شبعان وجاره جائع))؛ وليس بعد هذا التهديد والوعيد النَّبوي من قولٍ لقائل ..  

 

[3]

إن َّ هذا الشهر الكريم فرصة كبيرة لتغيير الأنفس، وهذه الأحوال والأوضاع البئيسة والأخلاقيات والسُّلوكيات التي لا تُرضي الله سُبحانه وتعالى، ولا تُرضي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الذي لا يدري كم أحدث النّاس وغيُّروا بعده عليه الصَّلاة وأزكى السَّلام .. هذه الأخلاقيات والسُّلوكيات التي ينفر منها القريب والبعيد؛ بل ينفر منها  كافة عباد الله الأسوياء ..

  • - فالله جلَّ وعلا يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: (2)].. (تعاونوا) هذا الأمر لمن؟ .. إنَّه لنا جميعاً معاشر المسلمين؛ فهل تعاونَّا على البر والتقوى؟ أم نتعاون على الإثم والعُدوان؟!  ..
  • - والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منَّا من بات شبعان وجاره جائع)) وفي رواية: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع))، وفي رواية: ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع))  .. أي ليس على طريقنا وطريقتنا ..  "ليس مؤمن" .. "ما آمن بي" ..  من الذي يقول ذلك؟ ..  إنَّه رسُولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .. فكم من المسلمين من بات شبعان وجاره بجانبه جائع يتضوّر جُوعاً، ويكاد أن تُزهق روحه وروح أسرته جُوعاً ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله، دون أن يُحرِّك ساكناً؟!

 

وما أكثر نُصوص القرآن والسُّنّة والشرع الحكيم التي تحض على مكارم الأخلاق، وتأخذ المسلمين إلى آفاق جميلة من الأُخوة والتراحم والإنسانية ومعالي الأمور .. لذا فإنَّ رمضان فرصة كبيرة للتغيير إلى الأفضل .. وفي هذا الصدد ينبغي بل يجب أن يتخلى البعض عن أنانيته، وينظر إلى إخوانه الفقراء والمساكين والضعفاء بعين الرَّحمة والعطف والإحسان؛ والله يقول في كتابه الكريم: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: (195)]؛ فكان عدم الإنفاق على الفقراء والمساكين وعدم الإحسان إليهم تهلكة؛ قال الإمام البخاري رحمه الله عمَّن حدَّثه: عن حذيفة رضي الله عنه: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، قال: نزلت في النفقة (أي على الفقراء والمساكين والمحتاجين) ..

 

رمضان فُرصة كبيرة للتغيير .. فيجب أن يحذر غضب الله وسخطه وانتقامه كُل من يستغل أزمة (كورونا) أو غيرها من الأزمات؛ فيتعامل مع الناس: بجشع، أو غش، أو استغلال، أو احتكار، أو تطفيف للكيل والميزان؛ والله سبحانه وتعالى قد توعَّد الغشاشين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون؛ غشّاً وخداعاً وظُلماً لهم؛ فقال في كتابة الكريم: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ)؛ توعدهم بالويل والثُبور، وتوعدهم (بويل)؛ وهو واد في جهنم، والعياذ بالله تعالى ..

 

رمضان فرصة كبيرة للتغيير .. فيجب أن يُقلع كُل من يظلم النَّاس عن ظُلمه لهم؛ بالغيبة والنَّميمة و الحقد والحسد، وإحداث الوقيعة والفتن بينهم، وسفك دماء الأبرياء بغير حق، وأكل أموالهم بالباطل؛ وغيرها من المظالم التي هي ظُلمات بعضها فوق بعضٍ، والعياذ بالله تعالى؛ فالظلم ظُلمات يوم القيامة، ويجب أن يتحلل الظالم من مظالم النَّاس، ويُعطيهم حُقوقهم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، وقبل أن يأتي يوم القيامة مُفلساً؛ فيأتي وقد شتم هذا، وسبَّ هذا، وتطاول على هذا، وضرب هذا، وظلم هذا، وأخذ مال هذا بغير حق، فيأخذون من حسناته؛ فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم وخطاياهم، فطُرحت عليه، ثُمَّ طُرح في النَّار، وبئس المصير؛ كما قال نبينا الحبيب صلى الله علي وسلم ..

 

وليس لهؤلاء من طريق للنجاة من هذه الذنوب والمعاصي غير التوبة والعودة إلى الله سبحانه وتعالى .. والتوبة لا تُقبل إلاّ بشروط ثلاثة؛ هي: الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها؛ هذا إذا كانت المعصية في حق الله تعالى؛ أمَّا إذا كانت المعصية ظُلماً للنَّاس واعتداءً على حُقوقهم؛ فلا بُدَّ مع هذه الشروط الثلاثة من رد الحقوق -سواءً كانت في الأموال أو الدماء المعصومة أو غيرها من المظالم- إلى أصحابها، والتحلل منها، وإلاَّ فلا توبة ..

 

فيامن يأكُل أموال الناس بالباطل اتق الله، ورُدَّ الحقوق إلى أهلها، ويامن يستمرئُ الحرام، فيأكُل أموال اليتامى ظُلماً، اقرأ -إن شئت- قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]؛ فالبدار .. البدار بالتوبة إلى الله تعالى، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلب سليم؛ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) [عبس] ..

 

[4]

إنَّ رمضان الكريم فرصة كبيرة للتغيير وإصلاح حالنا وأوضاعنا مع الله جلَّ وعلا .. فالتدخين في ظل هذه الظروف الصعبة إهدار وتدمير للصحة وإضعاف لمناعة الجسم، وتسريعٌ لتمكين الفيروسات والأمراض المهلكة منه؛ وهذا قتل للنفس، ثم إهدار وتضييع وحرقٌ لأموال الأولاد والأولياء الضعفاء الذي يعولهم؛ وفي الحديث الشريف: ((إنَّما تُنصرون وتُرزقون بضُعفائكم))؛ فالآباء الكبار والأولاد الصغار والنساء في البيوت سببٌ من أسباب رزق الله للعباد؛ فينبغي على من ابتلاه الله بالتدخين أن يُقلع عنه تدريجيّاً حفاظاً على صحته، حتى يتمكن من تقوية مناعته التي أضعفها وضعضعها التدخين .. ورمضان الكريم، والصيام فرصة كبيرة للإقلاع عن هذا البلاء ..

 

رمضان فرصة كبيرة للتغيير إلى الأفضل .. والإقلاع عن كبائر الذنوب، من خراب البيوت: بالربا، والزنا، والخيانة، والغيبة والنَّميمة، وزرع الفتن والوقيعة، والتطاول على النَّاس، وأكل المال الحرام: بالرشوة، والنَّصب، والسَّرقة، والاختلاس، والتزوير، والغش والخداع؛ والفساد وغيرها من الموبقات التي كانت سبباً في هلاك الأمم والشُّعوب والأقوام الغابرة؛ قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: (41)]؛ وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: (112)] ..

 

وقال الله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)[سورة الحج] ..

 

وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59)[سورة الكهف] .. وأمثال هذه الآيات كثيرة في القرآن الكريم لمن يعي ويتدبر ويتعظ؛ وصدق الله العظيم إذ يقول: (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) [الحاقة: 12] ..

[5]

أما وقد أكرمنا الله تعالى بشهود شهر رمضان، وهذه نعمة تستوجب شُكر الله تعالى علينا، فكم من الأحباب والأصدقاء والجيران من غيَّبهم الموت، فلم يشهدوا معنا رمضان .. وإذا كان الحالُ كذلك فمن اللائق أن نعود إلى الله تعالى، وأن نُجدد العهد مع الله توبة نصوحاً، وأوبة صادقة نعقد فيها العزم على الإقلاع عن كُلِّ ما يُغضب الله تعالى، ونعقد فيها العزم على التكافل والتراحم وتعميق أواصر الرحمة والأخوة والتعاون فيما بيننا للنهوض ببلادنا، وأمتنا؛ مُقدمين أنموذجاً راقياً لأخلاق الإسلام العظيم في هذا الشَّهر المُبارك .. وأسأل الله العلي القدير أن يُصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كُلِّ مكان، وأن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النَّار في هذا الشهر الفضيل، وأن يُعيننا على الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن ينفعنا بالقُرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم .. وأسأل الله سُبحانه وتعالى أن يُعيد علينا وعليكم وعلى بلادنا وأمتنا الإسلامية هذا الشهر الكريم بالأمن والإيمان والسلامة والسَّلام، وأن يجعله شهر خير ويُمنٍ ونصر وبركات .. وكُلُّ عام وأنتم جميعاً بخير وسلام ..

 



مقالات ذات صلة