تفاصيل المقال
هَدْيِ النَّبِيِّ الحبيب صلى الله عليه وسلم في (صلاة العيدين) - من كتاب (زاد المعاد) للإمام ابن القيم (رحمه الله) ..
في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين:
كان صلى الله عليه وسلم يُصلي العيدين في المصلى، وهو المصلى الذي على باب المدينة الشرقي، وهو المصلى الذي يُوضع فيه (مَحْمَلُ الحاج) ولم يُصلِّ العيد بمسجده إلاَّ مرة واحدة أصابهم مطر، فصلَّى بهم العيد في المسجد، إن ثبت الحديث وهو في سنن أبي داود وابن ماجه ..
وهديه صلى الله عليه وسلم كان فعلهما في المصلى دائما. وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حُلة يلبسها للعيدين ..
كان صلى الله عليه وسلم يلبس بُردين أخضرين، ومَرَّة بُرداً أحمر، وليس هو أحمر مُصمتاً كما يظنه بعض الناس؛ فإنَّه لو كان كذلك لم يكن بُرداً؛ وإنما فيه خُطوط حُمر كالبُرود اليمنية؛ فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك ..
وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من غير مُعارض النهي عن لبس المُعَصْفر والأحمر، وأمر عبد الله بن عمرو لمَّا رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما، فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه، والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر، أو كراهيته كراهية شديدة ..
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وتراً، وأمَّا في عيد الأضحى فكان لا يَطْعم حتى يرجع من المصلى، فيأكل من أُضحيته ..
وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل للعيدين صح الحديث فيه، وفيه حديثان ضعيفان حديث ابن عباس رضي الله عنهما من رواية جبارة بن مغلس، وحديث الفاكه بن سعد رضي الله عنه من رواية يوسف بن خالد السمتي .. ولكن ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما مع شدة اتباعه للسنة؛ أنَّه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه ..
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشياَ، والعَنَزَةُ تُحمل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلَّى نصبت بين يديه ليصلي إليها، فإن المصلى كان إذ ذاك فضاء، لم يكن فيه بناء ولا حائط، وكانت الحربة سُتْرَتَهُ ..
وكان صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّر صلاة عيد الفطر، ويُعَجِّل الأضحى، وكان ابن عمر رضي الله عنهما مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس، ويُكبر من بيته إلى المصلى ..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة، ولا قول الصلاة جامعة، والسُّنَّة أنه لا يُفعل شيء من ذلك ..
ولم يكن هو ولا أصحابه يُصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها ..
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ بالصلاة قبل الخطبة؛ فيُصلِّي ركعتين: يُكبر في الأولى سبع تكبيرات مُتوالية بتكبيرة الافتتاح، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يُحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات، ولكن ذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ((يَحْمَدُ الله، ويُثْني عليه، ويُصَلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم)) ذكره الخلال، وكان ابن عمر رضي الله عنهما مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كُلِّ تكبيرة ..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتَمَّ التكبير، أخذ في القراءة؛ فقرأ فاتحة الكتاب، ثم قرأ بعدها (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) في إحدى الركعتين، وفي الأخرى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ)، أو (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ..
و رُبَّما قرأ فيهما: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، صَحَّ عنه هذا، وهذا .. ولم يَصِحّ عنه غيرُ ذلك ..
فإذا فرغ من القراءة كبَّر وركع، ثم إذا أكمل الركعة، وقام من السجود كبَّر خمساً مُتوالية، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع ...
وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة؛ قال الترمذي: سألت محمداً، يعني (البخاري) عن هذا الحديث، قال: ليس في الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول، وقال: وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضاً ..
قُلتُ: يُريد حديثه أنَّ البيَّ صلى الله عليه وسلم كبَّر في عيد ثِنتي عشرة تكبيرة، سبعاً في الأُولى، وخمساً في الآخرة، ولم يُصَلِّ قبلها ولا بعدها. قال أحمد: وأنا أذهب إلى هذا. قلت: وكثير بن عبد الله بن عمرو هذا ضرب أحمد على حديثه في المسند، وقال لا يُساوي حديثه شيئاً، والترمذي تارةً يُصحح حديثه، وتارةً يُحسنه، وقد صرَّح البخاري بأنَّه أصح شيء في الباب، مع حكمه بصحة حديث عمرو بن شعيب، وأخبر أنَّه يذهب إليه. والله أعلم ..
كان يخطبهم في العيد قائماً على الأرض:
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة، انصرف، فقام مُقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويُوصيهم، ويأمرهم وينهاهم، وإن كان يُريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به. ولم يكن هُنالك مِنْبر يرقى عليه، ولم يكن يُخْرِج منبر المدينة، وإنَّما كان يخطبهم قائماً على الأرض، قال جابر رضي الله عليه: ((شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام مُتوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناس، وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهُن)) [متفق عليه] ..
وقال أبو سعيد الخُدري رضي الله عنه: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المُصَلَّى، فأول ما يَبدأُ به الصَّلاةُ، ثُمَّ ينصرف، فيقوم مُقابل النَّاس، والناس جُلوس على صفوفهم ... الحديث)). [رواه مسلم] ..
وذكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد، فَيُصلي بالنَّاس ركعتين، ثُمَّ يُسلم، فيقف على راحلته مُستقبل الناس، وهم صُفوف جُلوس، فيقول: ((تَصَدَّقُوا))، فأكثرُ من يتصدق النساء بالقُرط والخاتم والشيء. فإن كانت له حاجة يُريد أن يبعث بعثاً يُذكره، لهم وإلاَّ انصرف)) ....
فإن قيل فقد أخرجا في "الصحيحين" عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم يُصَلِّيها قبل الخطبة، ثم يخطب، قال: فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثُمَّ أقبل يَشُّقُّهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلال، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) [الممتحنة: 12] .. فتلا الآية حتى فرغ منها، الحديث)) ..
وفي "الصحيحين" أيضاً؛ عن جابر رضي الله عنه: ((أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قام، فبدأ بالصلاة، ثُمَّ خطب النَّاسَ بَعْدُ، فلما فرغ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، نزل فأتى النساء فذكَّرهن، الحديث)).. وهُو يدُلُّ على أنَّهُ كان يخطب على مِنْبَر، أو على راحلته، ولعلَّه كان قد بُني له منبر من لَبِنٍ، أو طين، أو نحوه؟ ..
قيل: لا ريب في صحة هذين الحديثين، ولا ريب أنَّ المِنْبَر لم يكن يُخْرَج من المسجد، وأوَّل من أخرجه "مَروانُ بن الحكم" فأُنْكِرَ عليه، وأمَّا مِنبر اللَّبِن والطين، فأولُ من بناه "كثيرُ بن الصَّلت" في إمارة "مروان" على المدينة، كما هو في "الصحيحين"، فَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم كان يقوم في المُصَلَّى على مكان مُرتفع، أو دُكان؛ وهي التي تُسَمَّى "مِصْطَبَة"، ثم ينحدر منه إلى النساء، فيقف عليهن، فيخطبُهُنَّ، فيعظهُنَّ، ويذكُرُهن. والله أعلم ..
كان يفتتح خطبه بالحمدلة:
وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خُطبه كُلَّها بالحمد لله، ولم يُحفظ عنه في حديث واحد، أنَّهُ كان يفتتح خُطبتي العيدين بالتكبير، وإنما روى "ابن ماجه" في "سُننه" عن سعد القرظ مُؤذن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كان يُكثر التكبير بَيْنَ أضعاف الخطبة، ويُكثر التكبير في خُطبتي العيدين)) .. وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به ..
وقد اختلف الناسُ في افتتاح خُطبة العيدين والاستسقاء؛ فقيل: يُفتتحان بالتكبير، وقيل: تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يُفتتحان بالحمد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب، لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كُل أَمْرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه بحَمْد الله فهو أَجْذَمُ)) ..
وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خُطَبه كُلَّها بالحمد لله ..
ورخَّص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد، أن يجلس للخطبة، وأن يذهب، ورخَّص لهم إذا وقع العيدُ يومَ الجمعة، أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة [رواه أبو داوود؛ برقم: (1073)، والحديث في صحيح سنن أبي داوود، برقم: (948)] ..
وكان صلى الله عليه وسلم يُخالف الطَّريقَ يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجعُ في آخر، فقيل: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركتَه الفريقان، وقيل: ليقضيَ حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائِرَ الإسلام في سائر الفِجَاج والطُّرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عِزَّة الإسلام وأهله، وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادةُ البِقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلَّى إحدى خطوتيه ترفعُ درجة، والأخرى تحطُّ خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل، وهو الأصح: إنَّه لذلك كُلِّه، ولغيره من الحِكَم التي لا يخلو فِعْلُه عنها ..
التكبير من فجر يوم عرفة:
وروي عنه أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُكَبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ ..
هذا وباللّه التَّوفيق، وصلى الله وسلَّمَ وبارك على سيِّدِنا مُحمد صلَّى الله عليه وآله وصحبه أجمعين ؛؛؛
مقالات ذات صلة
-
مُبارك عليكم العيد .. وتقبَّل اللهُ منَّا ومنكُم صالحَ الأعمال ..
مُبارك عليكم العيد .. تقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال .. وجعله الله عيد خير وبركة وسلام وأمن وأمان لأمَّة…
السبت 10 ذو الحجة 1443 هـ 09-07-2022 م -
عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (4) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..
عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. في (سُوريا) .. وما أدراكم ما (سُوريا) .. قلب بلاد الشام الجميلة…
الثلاثاء 9 شوال 1443 هـ 10-05-2022 م -
عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! – (3) - بقلم الدكتور احميدة سالم القطعاني ..
عيدٌ .. بأيِّ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟! .. ونحن نرى ونُشاهد ما يحدثُ لإخواننا المسلمين في (تُركستان الشرقية) بـ(الصِّين) الشُّيوعية…
الاثنين 8 شوال 1443 هـ 09-05-2022 م





